في الخامس عشر من شهر كانون الأول المقبل، تنطلق الصفارة رسميا ايذاناً بوضع لبنان على خريطة الدول النفطية مع بدء عمليةالحفر في البلوك النفطي رقم 4 المقابل لشاطئ جبيل - البترون، قبل الشروع في مسار استكشاف البلوك رقم 9 الواقع جنوبا في المرحلة التالية. وما بينهما يتم فضّ العروض المقدمة لدورة التراخيص الثانية، والتي فتحت فيها كل البلوكات الحدودية جنوبا وشمالا وسط مساع دولية لحل الاشكالات المرتبطة ببعض المواقع الحدودية مع اسرائيل وسوريا.
عمر المسار الاستكشافي بحسب التوقعات ما بين 55 الى 60 يوماً، يتوضح بنتيجته حجم كميات الغاز المفترض تواجدها في البلوك الرابع على ان تليه مرحلة من التحاليل والدراسات قد تستغرق شهرين يمكن في ضوئها الشروع في حفر البلوك التاسع الحدودي.
في الشق التقني، تسير الامور كما تشتهي سفن لبنان وحفارات تحالف شركات "توتال" الفرنسية و"إيني" الايطالية و"نوفاتيك" الروسية، ولو ان ثمة قلقا لا يرتقي الى مرتبة الخوف من العمل في البئر الجنوبي الحدودي ربطا بالنزاع مع اسرائيل. هذا القلق قد يتبدد، اذا ما نجحت جهود الوسيط الاميركي الجديد ديفيد شينكر الموجود في المنطقة على ان يصل الى لبنان خلال الساعات المقبلة، في استكمال ما بدأه سلفه السفير ديفيد ساترفيلد لجهة ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان واسرائيل وطي هذه الصفحة من النزاع التقني المزمن، بما يسهّل الى الحد الاقصى عمل الشركات المشغّلة في الاستكشاف والتنقيب، الى جانب الفائدة القصوى التي يجنيها لبنان جراء ترسيم حدوده الجنوبية براً وبحراً غير المرسّمة دوليا، في انتظار الترسيم مع سوريا ليصبح لبنان آنذاك كما سائر دول العالم المرسّمة حدودها والمسجلة في الامم المتحدة.
لكن هذا الشق ليس وحده الكفيل بتأمين ظروف استخراج الغاز المأمول ان يسهم في تحسين جزء، ولو بسيط، من الوضعين الاقتصادي والمالي الواقعين تحت عجز هائل. ذلك ان ثمة اجزاء كثيرة اخرى تفترض مواكبة المرحلة النفطية المقبلة على لبنان بدءا من الاداري وليس انتهاء بالعسكري- الامني. فإذا كانت هيئة ادارة النفط تعمل على خط الاجراءات الادارية لجهة الحصول على التراخيص بكل تفاصيلها، فإن ما يتطلبه الشق العسكري من المهمة النفطية ليس بالقليل، كما تفيد مصادر معنية بالملف "المركزية" بدءا من المتفجرات المستعملة في الحفر وصولا الى سبل التنقل بين المنصة البحرية والقاعدة على الشاطئ التي توجب استخدام زوارق ومروحيات وتاليا اذونات عسكرية، اذ ان قيادة الجيش لا يمكن ان تسمح للمروحيات الخاصة بالتنقل من دون اذن خصوصا انها لا تحتاج الى مدرجات لتحطّ فيها على غرار الطائرات الخاصة، بل تستخدم اي مكان للغاية.
هذا الملف حضر في سلسلة اجتماعات عسكرية، كما تشير المصادر، بادرت الى عقدها المؤسسة العسكرية مع المسؤولين في شركة توتال التي تتولى المفاوضات مع الجانب اللبناني باسم التحالف تم التوصل في نتيجتها الى اتفاق على كيفية استخدام المروحيات الخاصة التي سيستعملها التحالف، ضمن ضوابط معينة تحصر مهمتها في الاطار النفطي البحت، مع تحديد منصات الهبوط والاقلاع.
هذه المبادرة، كما تقول المصادر، تعكس مدى عمق الرؤية الاستراتيجية للمؤسسة العسكرية ومواكبة كل الاجراءات والخطوات التي تصب في خدمة المصلحة الوطنية العليا، فبادرت الى الاضطلاع بالمهام المنوطة بها، ومن دون طلب اي من الجهات المعنية بالملف، قبل بدء التنقيب لمواجهة ما قد يستجد من متطلبات امنية.